صرخة المخرج الفلسطيني علاري على صمت المثقفين

بقلم المخرج: يوسف علاري

الصمت على الجريمة جريمة، وهنا أشير إلى صمت المثقفين إزاء ما يحدث في غزة، لا أعتقد ثمة حدث في الوقت الراهن يوازي ما يحدث من عدوان صارخ على غزة وأهلها، لذلك نعتبر الصمت تواطئ بغيض مع الاحتلال.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل يعقل أيها المثقف العربي المتخم بالمعرفة، أنك لا تستطيع التنديد بالوحشية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني؟!

المثقفون والفنانون والمؤثرون نراهم في توافه الأمور يملؤون الدنيا ضجيجا وصخبا وأحيانا نباحا وعويلا، إلا من رحم ربي، هذا الصمت المطبق إنما يجسد فقدان الضمير العربي والأخلاقي والإنساني لديهم تجاه أبناء جلدتهم، ومن خلال معرفتي ببعض من يدعون الثقافة أؤكد أنهم الآن يتوارون خلف الأبواب والشبابيك منتظرين بيانات أنظمتهم ودولهم إن كانت مؤيدة لفعل المقاومة أم لا، ستتفتق فجأة قريحتهم النضالية في حال التأييد للمقاومة، وسيبلون بلاء حسنا في هذا المضمار، وقد تصل بهم الوقاحة أن يتنافخوا شرفا، أمّا إن كانت دولهم ضد فعل المقاومة طبعا سيلعنونها أي “المقاومة” و في أحسن الأحوال يلتزمون صمتهم المعتاد في الأحداث الكبيرة، فلا قبل لهم على قول كلمة حق، لأنه لم يسبق لهم ممارسة الحرية في سالف الأيام.

أهل غزة يخوضون ملحمة بطولية

في المقابل نرى رجال ونساء الأمة العربية الأحرار الممتلئين بالعزة والكرامة، المسلحين بالنخوة والشهامة، يملؤون الساحات العربية في جميع الأقطار من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق وقد سخروا جلَّ وقتهم لفضح كيان الاحتلال الصهيوني وجرائمه ضد المدنيين العزل في غزة الأبية، معبرين ومعلنين بكل فخر عن تضامنهم مع أشقائهم الفلسطينيين، أشقائهم في العروبة والعقيدة واللغة والتاريخ والمستقبل.

إن أهل غزة يخوضون اليوم ملحمة بطولية في الصمود والتصدي – قلَّ نضيرها في العالمين- لعدوان صهيوني غاشم خسيس، فتزهق أرواحهم الطاهرة فداء لدينهم وعروبتهم ووطنهم، بينما بعض المثقفين العرب لا يستطيعون خوض نقاش حول هذا الموضوع في العلن وربما في السر أيضا.

حالة الصمت تجتاح أغلب النخب في الوطن العربي

من خلال مروري على حسابات الكثير من النجوم والمبدعين وأهل الفن والثقافة ورموز المجتمع في الوطن العربي، وبعض حسابات أصدقائي على السوشيال ميديا وبعض “المواقع الالكترونية الثقافية” وجدت الكثير منهم يخوضون في توافه الأمور وكأنه ليس هناك حدث جلل على سطح هذه المعمورة، أصدقكم القول أن الصدمة لازمتني بعض الوقت، واحترت في تصنيف مثل هؤلاء البشر، كم هم سفهاء أولئك الذين يسمون أنفسهم مثقفين، بئس الثقافة التي ينتمون إليها.

حالة الصمت المريبة التي تجتاح أغلب النخب في الوطن العربي، تدعوني إلى التساؤل عن هويتهم الحقيقية، وأكرر السؤال مرة تلو المرة: لماذا يصمت المثقفون والأكاديميون والفنانون والإعلاميون أمام المجازر الصهيونية في حق شعبنا الفلسطيني؟ سؤال لا يحتاج إلى الكثير من التنقيب لمعرفة سببه، لكني أطرحه فقط من أجل المتابعين لهؤلاء الشرذمة المدعية الثقافة والعروبة، ليعرفوا أنهم عديمي الفائدة قبيحي السريرة.

حتى النملة تعتز بثقب الأرض

لقد تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن الأمم والشعوب الحرة الحيَّة في كل بقاع العالم تنهض منتفضة حين تتعرض لاعتداء، بل أيضا تنتفض للدفاع عن شعوب أخرى لا ترتبط بها بعقيدة أو دم إذا ما تعرضت للظلم، وقد شاهدنا بأم أعيننا العديد من المثقفين والفنانين والناس العاديين من مختلف الجنسيات والثقافات قد هبوا مدافعين عن قضيتنا العادلة الأولى في العالم، وأدانوا هذه الوحشية المروعة من قبل جيش الاحتلال الاسرائيلي الخسيس، إنني لا أحاول “لا سمح الله” أيها المثقفون الجبناء استنهاض المروءة فيكم إن وجدت، ولا ايقاظ الضمير القابع في فراشه العفن في سريرتكم، ولا أصرخ فيكم كي لا يرجع الصدى إلي مثقلا حزين، لا أصرخ فيكم كما صرخ من قبل الشاعر مظفر النواب:

أصرخ فيكم

أصرخ أين شهامتكم..؟

إن كنتم عربا.. بشرا.. حيوانات

فالذئبةُ.. حتى الذئبة تحرس نُطفتها

والكلبةُ تحرس نطفتها

والنملةُ تعتزُ بثقب الأرض

وأما أنتم…؟

أما أنتم مازلتم تطرحون مقولة فلسطين ليست قضيتي، نعم فلسطين ليست قضيتكم أؤيدكم القول، فلسطين قضية الشرفاء وقضية الأحرار، إنها قضية العالم الحر، الذي تعلَّم العزة والإباء والكرامة، أنتم لا تعرفون عن هذا العِلم شيئا، ولن تستطيعوا أن تتعلموه في يوما من الأيام، إنه عِلم يصعب عليكم استيعابه أو فهمه، فابقوا وحدكم في مضمار الخنوع والانكسار والانحطاط الأخلاقي، أنتم الفئة المستكينة الخانعة التي تمثل حمامة السلام، لكنها حمامة دنسة مسمومة ومنظرها يثير اشمئزاز الأنفس السوية.