أجرى الحوار في دمشق: المصطفى روض
في واحدة من ذكرياتي الإعلامية الهامة لقائي، في دمشق سنة 1986، برائد الأغنية التقدمية الشيخ إمام ذاكرة الشعب المصري و صوت “الغلابة” و الذي سمح لنا بإجراء حوار معه لفائدة صحيفة “أنوال”.
و جاءت زيارة الشيخ إمام لسوريا من أجل إقامة مهرجانات للأغنية السياسية، حيث التقى بجمهور سوري و فلسطيني و لبناني غفير بمدينة دمشق التي أقام بها حفلين غنائيين بقاعة تشرين الرياضية، و كان حوارنا معه يتمحور حول موضوعات خاصة بالأغنية الملتزمة، و قد استرسلنا في الحديث معه بعد أن طرحنا عليه مجموعة أسئلة أهمها:
انطباعات الشيخ إمام إزاء المهرجانات التي شارك فيها و العوامل التي ساعدت على خروجه من مصر و رؤيته للكيفية التي على أساسها يمكن للأغنية الملتزمة أن تفرض نفسها و عن المباشرة و التبسيط في أسلوبه الغنائي و حول إمكانية زيارته للمغرب.. مع كل هذه الأسئلة كان حوارنا مع الشيخ إمام الذي نشرته جريدة “أنوال” عام 1986:
أنوال: أنا مراسل جريدة “أنوال” المغربية، أريد من خلال هذا اللقاء أن نتعرف على آرائك لما يجب أن تكون عليه في الواقع الأغنية الملتزمة كما تمثله أغنيتك، و في هذا الإطار أود أن أطرح عليك مجموعة أسئلة، و حتى نسترسل في ذلك، أبدا بالسؤال التالي:ما هي العوامل التي ساعدت على خروجك من مصر؟ و ما هي انطباعاتك حول المهرجانات الغنائية التي شاركت فيها سواء في بعض البلدان الأوروبية أو العربية؟
محاولات عشر سنوات لإخراجي من مصر
الشيخ إمام: الحقيقة، كانت هناك محاولات منذ عشر سنوات من أجل إخراجي من مصر لألتقي بالشعب العربي في كل مكان و لأستطيع زيارته، و كانت كل المحاولات تبوء بالفشل نظرا لأني كنت من بين الأسماء الممنوعة من مغادرة القطر المصري لخطورتي على الأمن كما يدعون، و ظلت هذه المسألة حتى اغتيل السادات، تم تجددت المحاولة من قبل منظمات كثيرة لحقوق الإنسان و منظمة العفو الدولية.. و كذلك من قبل وزارة الثقافة الفرنسية، و كانت اليد التي تحرك كل هذه المحاولات منذ عشر سنوات، الأخ و الصديق صادق بوزيان، إلى حين تحققت “المعجزة” و خرجنا في اليوم السابع من الشهر الرابع من هذا العام (1986)، و أقمنا بباريس ثلاث حفلات غنائية بمسرح اسمه “ليزامونديل”، ثم حفلتين بمسرح “موتياليتي”.
و بعد ذلك، ذهبنا إلى أماكن كثيرة بمدن فرنسية: لييج، ليل، غرونوبل، مارسيليا، تولوز، روان.. و أماكن فرنسية أخرى لا أستطيع تذكرها، تم ذهبنا إلى بروكسيل حيث أقمنا بها حفلات، و وجهت لنا دعوة من الجزائر أقمنا بها حفلتين، و كان هذا قبيل رمضان بخمسة عشر يوما على أمل العودة إليها فيما بعد لإقامة حفلات أخرى طيلة شهر رمضان في بعض المدن الجزائرية، و تجددت، و لله الحمد، الدعوة، و عدت إلى الجزائر حيث أقمت 25 حفلا غنائيا في بعض المدن شرق الجزائر، كذلك، وجهت لي دعوات من هولاندا و سويسرا و أقمت حفلات غنائية في كل منهما،
الاغنية السائدة مسيطرة
كما وجهت لي دعوة من تونس و شاركت فيها بحوالي تسع حفلات، و جئت إلى لبنان بدعوة من الحزب الشيوعي اللبناني بمناسبة الذكرى الستينية لتأسيسه متضامنة معه كل القوى الوطنية اللبنانية، ثم جئت أخيرا إلى سوريا و أقمت حفلات ببعض المحافظات و غدا سنقيم حفلا بالعاصمة دمشق في قاعة تشرين، و بعد ذلك سنتوجه إلى مدينة درعا لنقيم بها حفلات هناك و من ثم سأتوجه إلى باقي رحلاتي.
أنوال: بالنسبة لأغانيك و أغاني بعض التقدميين العرب انتشرت جماهيريا و بالرغم من ذلك تبقى الأغنية السائدة مسيطرة خصوصا تلك التي تتغنى بالحب أو تلك التي تتغنى برموز الأنظمة العربية و الرجعية، ما هي في رأيك الطريق الأنجع لجعل الأغنية السياسية الملتزمة سيدة الميدان بتكسير تلك العلاقة فيما بين الجماهير و الأغنية السائدة؟
الشيخ إمام: الجماهير أصبحت تعي ما يضرها مما ينفعها، دائما، الأخ الكريم يعرف، أن كل ما هو محاصر يكون الإقبال عليه أكثر، فدائما الذهب موضوع لكي لا يرى، و لكن الجماهير تتخطى هذه الصخور التي تقف على أفواه البئر الذي يسقي الناس مهما تألبت كل أجهزة إعلام الأنظمة الرجعية التي لا تتجاوب مع شعوبها.. وجدت أن هذه المدرسة للأغنية الملتزمة، بعد أن كانت من فصل واحد، أصبحت ذات فصول متعددة في كل أرجاء الوطن العربي: أسماء شابة ملتهبة و مؤمنة بقضية شعبنا و وطننا و تنتج الكثير و أنا أقرأ أن كل يوم يمر يحصل فيه تطور للأغنية السياسية، و هي الآن، واقفة بقدم ثابتة على أرض صلبة من محبة الشعب و تأييد الشعب و إيمان الشعب بأن هذا هو السمين، و ما سواه فهو الغث و إن كانت موجودة في أجهزة الإعلام ليل نهار.كل أسماء الأغنية الملتزمة تعني معنى واحدا.
كل أسماء الأغنية الملتزمة تعني معنى واحدا
أنوال: فيما يتعلق دائما بالأغنية الملتزمة، كثيرة هي المصطلحات التي تعطى لها، بل هي لا تدقق في الأغنية الملتزمة، تارة تسميها بالأغنية التقدمية، هناك من يقول عنها الأغنية الثورية، و هناك من يصطلح عليها بالأغنية الشعبية إلى آخر التسميات، فهل في نظرك هناك تحديد دقيق لتسمية الأغنية الملتزمة؟
الشيخ إمام: كل هذه الأسماء تعني معنى واحدا، و هو أن الأغنية التي تتحدث عن قضية شعب من أحاسيس و آلام و أفراح و أحزان يسمونها تقدمية، سياسية، شعبية، ثورية… كل هذه قنوات تؤخذ من بحر واحد كما أنك تعلم سيادتك أن اللغة العربية ذات ثراء كبير، فالأسماء كلها تؤدي إلى معنى واحد: الالتزام بقضية الشعب. أحب أن أقول الكلام عاريا دون تنميق.
أحب قول الكلمة دون تنميق
س: هناك من النقاد من يتهم أغانيك بالسقوط في المباشرة و التبسيطية، ما معنى هذا الكلام في نظرك؟
الشيخ إمام: و هذا هو الذي أوصلها إلى الناس، أنا أرفض أن أؤلف الأغنية في كيس من البلاستيك أو في ورق “سولوفان”، أنا أحب فقط أن أقول الكلام عاريا بدون تنميق و أصف فيه آلام الشعب، و هذا هو الإطار الذي أشتغل فيه.
أنوال: ثمة نظرية في مجال الفن تقول إن الفن لكي يكون فنا حقيقيا لا بد أن يكون انعكاسا إبداعيا للواقع و ليس انعكاسا ميكانيكيا أو اشتقاقيا، و من هنا لا يجب اعتماد الأغنية على المباشرة و التبسيط أو على كل ما يحط من قيمتها الفنية، و ضرورة الفن مطروحة بحدة، فما هو رأيك؟
الشيخ إمام: في الحقيقة لم أستطع أن أفهم المقصود من هذا السؤال، هل الذي رأيته حضرتك و تراه، أليس هناك تجاوب بيني و بين الناس؟
أنوال: أنا لا أشك مطلقا في هذا التجاوب، فأغنية الشيخ إمام انتشرت بشكل كبير في أوساط الجماهير و المثقفين.
الشيخ إمام: ما السر في انتشارها؟
أنوال: السر هو مضامينها التقدمية بالطبع!
الشيخ إمام: لأنها مأخوذة من الناس و هنا الأصل يا سيدي، إنك لا تأخذ شيئا غريبا و تقدمه للناس، يعني لما نأتي بقمح أسترالي و نؤكله للناس من غير القمح العربي، للقمح العربي طعم و للقمح الاسترالي طعم آخر، و دائما الذي منك، هو الأقرب إلى وجدانك من الغير، مع إيماني أن كل أرض يوجد فيها أشخاص نظيفين بلا شك، و لكن أنا لا أعرف قول سوى الكلمة التي أعيشها في شعبي العربي، أولا، في الحارة التي أعيشها، ثانيا، في الشارع الذي أعيش فيه ثالثا، في بلدي و بالتالي في الوطن العربي ككل، لأننا كلنا نعاني مضايقة واحدة من الامبريالية الأميركية و من العنصرية الصهيونية التي تقف حجرة عثرة في تقدم البشرية إلى ما هو صالح.
انوال: أعتقد أنه خلال زيارتك للخارج التقيت بالمغني السياسي سعيد المغربي؟
الشيخ إمام: نعم و أحببته كثيرا!
أنوال: و سمعت له؟
الشيخ إمام: نعم!
أنوال: و كيف تقيم تجربته الغنائية؟
الشيخ إمام: هو شاب مجتهد و دائما سيتطور من داخله باعتماده على نفسه، و طالما هو سائر على الدرب سيتطور لوحده.
أنوال: ألا تعتقد أن أغنية سعيد المغربي تعاني من ضعف في جانبها الفني؟
الشيخ إمام: الممارسة تنتج القوة و الأغنية هي سلاح رئيسي في يد الجماهير
س: هناك طرح عند بعض المثقفين يقول إنه من الصعب على الأغنية الملتزمة أن تصل إلى أوسع الجماهير باعتبار ان هذه الأخيرة مستسلمة للأغاني العاطفية، و هذا الطرح يرى أن السبب في ذلك مرده الطبيعة الميلودرامية عند الجماهير العربية و بالتالي فأي محاولة مهما كانت جادة ستبوء بالفشل. فهل يصح مثل هذا الكلام؟
الشيخ إمام: قل للمثقفين أن يرفعوا أيديهم على الناس و يتركوهم، إن الناس هم من يحكم على الخبيث من الطيب، الجماهير لديها شعور بالجميل و غير الجميل، و لم يضر هذه الجماهير سوى المثقفين الجالسين داخل المكاتب يضعون رجلا فوق رجل و لا أحد فيهم يتكلم؛ قل لهم أن يغمضوا أعينهم و يلتزموا السكوت و يتركوا الناس لمن يوعيهم بالأغنية و الكلمة و الرسم.. الناس أصبحت تفهم، كل شيء.
أنوال: هل ترى أن الأغنية الملتزمة يمكن لها أن تأخذ دور الحزب السياسي كما يعتقد البعض؟
الشيخ إمام: الأغنية هي سلاح رئيسي في توعية الناس بقضيتهم.. فيها، أيضا، سلاح موجه للجيش الذي يقف أمام عدوه الوحيد و هو أميركا و إسرائيل و أمام كل ما يقف في طريقه، سلاح عظيم لم يحسن استعماله، و هذا السلاح و المستعملون له، و لله الحمد، كثيرون و أقوياء و أصحاب علم و خبرة.
أنوال: في اعتقادي، أن الأغنية الملتزمة لكي تحقق هدف انتشارها بالشكل المطلوب يجب أن يكون هناك مجال للتنظير، هناك غياب للتنظير و النقد الذي عليه أن يوازي هذه الأغنية. هل لديك نفس الملاحظة؟
الشيخ إمام: لست قادرا على استيعاب سؤالك!
أنوال: سؤالي بالتمام: هو أن الأغنية الملتزمة لكي تحقق هدف انتشارها و تطويرها بالشكل المرغوب فيه لا بد لها من نظريات معينة على مستوى النقد موازية لها حتى يمكن الحفاظ عليها و الدفع بها في اتجاه التطور…؟
الشيخ إمام: معمول من هذا اللون كثير و إلا لم يكن ما حدث سنوات 1967 و 1973..الخ، كل هذا كانت فيه الأغنية الملتزمة إحدى دعائم التنظير لتوجيه الناس إلى الطريق الصحيح و إبعادهم عن السفسطة و الإسفاف الذي يدعيه بعض الناس.
الآن مستعد للعمل المسرحي
أنوال: سبق أن قرأنا في صحيفة “الأهالي” المصرية بأن لديكم مشروعا للمسرح الغنائي، أين وصلتم بهذا المشروع؟ و إلى أي حد قد تتمكنون من تحقيقه في المستقبل؟
الشيخ إمام: و الله نحن عملنا تجربة المسرح بمقر التجمع سنة 1980، و عملنا مسرحية كانت تمثيلية غنائية و هي أول تجربة و كانت موفقة، و أنا الآن مستعد للعمل المسرحي إذا ما قدم لي أي عمل في هذا الإطار.
أنوال: هل تفكر في زيارة المغرب؟
الشيخ إمام: و هل سيسمح لي الحكم في المغرب بدخوله؟
أنوال: إذا وجهت لك القوى التقدمية المغربية الدعوة و ضمنت لك زيارة المغرب؟
الشيخ إمام: إذا كان للقوى التقدمية هناك ثقل و استطاعت أن تدخلني المغرب كما أدخلتني هيئة نقابات العمال للشغل في تونس بالضغط على الحكومة حيث دخلتها و أقمت بها مهرجانات، فإذا كان لهذه القوي المغربية ذات الثقل، سألبي الدعوة و أدفع ثمن تذاكر الطائرة من جيبي. و بالمناسبة أقول للشعب المغربي لا شك أنك شعب عربي أصيل، فكن واعيا بما يحاك ضدك من مؤامرات و مخططات! و كن متماسكا كل واحد يمسك بيد أخيه، و بتماسكهم و تعاضدهم و تآلفهم سيكسرون الصخرة التي يدعون أنها جامدة، و لكنها هي أوهى من بيت العنكبوت، و أنا معهم و سأظل معهم بروحي و وجداني إلى أن التقي بهم في المستقبل.